وعلى أية حال، وكما لم يبق لنا سوى خمسة أيام دراسية، مازلت أهمس في المدرسة: ليس من الضروري أن أثير الجماهير. عند العودة سوف يذهب ذلك مع "البرنزة" (الاسمرار)، أليس كذلك؟
الأمور عادت بيني وبين جدي إلى أحسن حال. الآن نضحك معاً.
كان "بالان" مندهشاً جداً، عندما دخلت إليه، وأنا أقول "صباح الخير يا سيدي" وبما أنه لم يفهم شيئاً بنفسه، شرحت له أنني قررت مقابلة أبي في يوم من الأيام، وأنني اتفقت حول ذلك مع جدي. وأضفت أنني لن أذهب للعيش معه، ولا مع أي شخص آخر، حتى أبلغ سن الرشد، لأن جدي سوف يحتاج كثيراً لعنايتي حتى ذلك الوقت. قال الدكتور "بالان":
- "حسن، هذا جيد جداً" ثم " إلى اللقاء" سوف أذهب للعيادة مرة أو اثنتين قبل ذهابي مع جدي إلى البحر.
نحن ذاهبان إلى البحر.
***
لقد أصبحت، يا شوكس، أكثر ذكاء، منذ أن عدت أتكلم، ومع ذلك، جدتي لا تزال غائبة، وعليَّ أن أقدّر كيف سأتصرف مع والدي، وأحل الوضع معه... لقد فكرت في ذلك كثيراً.
سوف أكتب له. سأعطي "دولاهي" رسالة في آخر يوم من أيام الدراسة، هكذا سوف يرى أنني لست غاضباً منه لأنه تدخل في خصوصياتي.
في الواقع إنه ألطف أستاذ عندنا، إذا فكرنا بالموضوع جيداً!
جدي موافق على أن أكتب له، يقول إنه ليس هناك داعٍ للعجلة، وإنه يمكن أن أقابل والدي بعد الإجازة الصيفية، وأن علي الاعتياد على الفكرة أولاً، لقد أقسم لي أنني سأعيش عنده مادمنا سعداء معاً، ومادام قد بقي سليماً معافى، ولم يمرض.
ثانية واحدة للدعاية:
"لا يوجد نيقولا دون جد
ولا جد دون نيقولا!"
وكتبت رسالة لوالدي المساء ذاته، ووضعت ورقة كربون تحت الرسالة، كي أعطيك الصورة، لقد اجتهدت في الكتابة:
"سيدي العزيز؛
إنه لطف منك أن تشرفني بالاهتمام بوضعي حين أصبح بدون عائلة.
لا تؤاخذني إذا تأخرت في الإجابة على طلبك في الأيام الأخيرة، لأنني كنت مشغولاً جداً بجدي بعد وفاة زوجته، الشيء الذي أثر فيّ أيضاً كثيراً ، ولكنني أصغر سناً منه.
أفهم عدم حاجتك إلى الاهتمام بي من قبل، لأنني كنت بحالة جيدة جداً هنا، في البيت، والآن، إنني عاقل بما فيه الكفاية للتفكير في الوضع.
إنني موافق على التعرف إليك، ولكنني أفضل أولاً، الكتابة إليك وأن ترد على رسالتي.
لنفترض أن جدي "اختفى" على حد قوله، عندئذٍ سوف أكون بحاجة إليك. ولكنه الآن بصحة جيدة، يجب ألا نفكر بذلك، أعرف أن لك بنتاً، لنفترض أيضاً أنها "اختفت، عندئذٍ، أعدك أنني سوف آتي لزيارتك كثيراً، ولكن دون أن أعدك بالعيش معك، ودون أن أجرحك، لأنني اعتدت على الحياة بشكل مختلف.
إنني أرسل لك صورتي بالنظارات، وإلا سوف تندهش عندما تراني أضعها يوم نتقابل. إن لها زجاجتين سميكتين.
هلاّ أردت الإجابة على أسئلتي؟
- كم عمر ابنتك؟
- ماهي مهنتك؟
- ماهي هواياتك؟
- أين تسكن؟
عندما نلتقي، أرجو ألا تتصرف كما لو كنت أبي، ولكن كصديق.
وهكذا أستطيع في البداية أن أدعوك " ياسيدي" وهذا طبيعي أكثر عندما لا نعرف شخصاً، وبعد ذلك، إذا تفاهمت معي، وكذلك عائلتك، فسوف نلتقي من وقت لآخر للذهاب إلى السينما، أو المطعم.
إنني خجول بمافيه الكفاية.
أخيراً، شيء واحد أريد التأكد منه، وهو أننا لن نتكلم عن أمي، أو عن حادثة القطار.
أرجو قبول فائق الاحترام.
نيقولا دولوز".
يا شوكس، لقد تم الأمر، وقد أعطيت الرسالة إلى السيد "دولاهي". احمرَّ وجههُ. وقلت له: "هذا لأبي" بصوت مسموع.
لقد ظننت أنني سأدهشه أكثر حين سأتكلم بصوت مرتفع، ولكنه على مايبدو لم يلاحظ ذلك، كان ينظر للظرف الذي يضم الرسالة.
وبما أنني لم أكن أعرف اسم أبي (عندما سألت جدي قال: ليس الآن، ليس الآن، سوف تكون مفاجأة: "له اسم غريب")؛ فقد كتبت على الظرف:
"إلى سيدي والد نيقولا دولوز"
كان بقية الأولاد قد ذهبوا؛ مددتُ يدي إلى السيد "دولاهي" لأقول. له "إلى اللقاء" ولكنه لم يمسك بها، وقال لي:
" هذه هي العطلة الصيفية، إنني أقبّلك، سوف نتقابل حتماً"
عدت إلى المنزل مع "التجميع المدرسي" الأخير في السنة الدراسية، تعرفين: يقولون ( تجميع) للتلاميذ مثلما يقولونها للقاذورات أو البطاطا إنها كلمة بشعة!!
ياشوكس، يا غاليتي شوكس السرية، سوف أذهب قريباً مع جدي في أثناء العطلة، سوف نذهب إلى مركز من النوع الذي يكون لك فيه غرفتك الخاصة.
وحيث يقدم لك الطعام، ونقوم بنشطات رياضية، سوف يكون هناك مجموعة للصغار وأخرى للكبار، هذا مافهمته من جدي، وهكذا سوف يستطيع جدي أن يكوّن لنفسه أصدقاء من جانبه، وأنا من جانبي. وسوف نلتقط صوراً كي أريك إياها فيما بعد.
أرجو أن يرد أبي على رسالتي قبل ذهابنا.
***
تم الأمر، أحضر لي جدي الرسالة، وضعها على مكتبه وهو يبتسم، ولم يسألني شيئاً. أخذ قلبي يدق بسرعة.
إنها مطبوعة على الآلة الكاتبة، وها إنني ألصقها هنا، تحت:
"عزيزي نيقولا،
لقد سررت جداً لاستلام رسالتك. اطمئن؛ لقد فهمت تماماً تمنّعك عن مقابلتي، لأن لديك كل أسباب العالم كي تكره أباً لم تعرفه أبداً:
سوف لن نتكلم عن والدتك، موافق، إعلم فقط أنها كانت غالية جداً عندي، وأننا قد دفعنا ثمن هذه المرحلة من حياتنا آلاماً كثيرة، سوف أقول لك كل ماتود معرفته عندما تصبح في مثل عمري، إذا، طبعاً، أردت أنت ذلك".
أشكرك على صورتك. إنك تبدو جيداً جداً، وهل لي أن أقول لك مع ذلك إنني كنت أعرفك من قبل. وإنني منذ اثني عشر عاماً (سنوات عمرك) قد تابعت خطوة بخطوة طفولتك، ولم أرد الدخول في حياتك الخاصة، لأنك كنت تبدو سعيداً تماماً مع جدّيك. لقد ربَّتك جدتُك، تماماً مثل ابنها.
وعندما مَرضَتْ، هكذا فجأة، وجب عليها وعلى السيد "دولوز" أن يواجها مستقبلك بطريقة مختلفة، لقد تكلمنا معاً حول ذلك، واعتقدنا أنه من الأفضل أن تعرفني، وأن نتعلم كيف نحب الواحد منا الآخر
ماهو صعب عليك، لن يكون سهلاً كذلك بالنسبة لـ "ديزي" "ديزي" هي ابنتي، إنها تجهل أن لها أخاً يصغرها بعامين. سوف أكون بحاجة لمعرفتك كي تعتاد على هذه الفكرة، فيما لو قدرنا أنا وإياك أن نحدثّها بذلك.
أنا أدعى "إيف" وزوجتي "بريجيت" لن أريها رسائلك، اطمئن اطمئن. ولكنني قلت لها إنك كنت تفضل أن نتراسل في البدء، حتى نصبح كالأصدقاء، دون لعب دور الأب والابن الاجباريين). إنها ترى بذلك طريقة ممتازة في التصرف. يمكنك مناداتها "بريجيت" وأنا "إيف" إنها صحفية، أنا موظف.
بالنسبة لاسم عائلتي فإنني مضطر للاحتفاظ به سرّياً بعض الوقت أيضاً.
استمر بإرسال رسائلك إلى السيد "دولاهي" وسوف يوافيني بها. إننا نسكن في البناية نفسها. إنها صدفة غريبة، اكتب:
إيف عن طريق السيد دولاهي.
8، شارع سانت أوديل.
كليرمون- فيران.
ملاحظة: إنني أرسل لك صورة لبريجيت وديزي، ليس لدي صورة لي في الوقت الحاضر، لكنني سوف أذهب إلى المصوِّر خلال أيام.
والدك: إيف".
حدَّقت إلى الصورة، يا شوكس. الأم ترتدي بنطال جينز وكنزة، إنها بعمر كل الأمهات. لا يوجد تعليق، إنها مقبولة. لكن ديزي ليست واضحة تماماً؛ تبدو جميلة. شيء عجيب، إنني واثق، واثق جداً من أنني سبق ورأيتها في مكان ما، على كل حال ليس في المدرسة، لأنني كنت سأتذكرها ولاشك، إن الإنسان يتعرف على كل الوجوه التي يراها، ولكن أين؟
اللعنة، أين؟ لا أستطيع أن أتذكر.
أمَّا من ناحية أبي، فأنا مطمئن.
سوف يكون صديقاً فقط، يمكنه أن يدعى "صندوق القمامة" وهذا سيان عندي، لن نقول شيئاً لابنته، لن أتكلم شيئاً مع زوجته. سوف نتصرف كما لوأنني فقط "دولوز" الصغير، حفيد جدي، نقطة.
سوف يكون سراً بيننا نحن الاثنين: إيف وأنا نيقولا.
سر أبوي.
يوم زواجنا، يا شوكس، سوف أدعوه هو وزوجته وابنته "ديزي" سوف أريك إياه. سوف أقول لك: "يا شوكس، هذا هو والدي" ولن يعرف أحد شيئاً.
***
يا عزيزتي شوكس الصغيرة، لقد انتهى الأمر، حقائبي جاهزة، سوف نرحل، لن آخذ هذا الدفتر معي لأنه انتهى تقريباً، ’ بقي منه ورقة بيضاء واحدة.
أمس، أرسلت لوالدي كلمة صغيرة على ورقة كرتون:
"هل أنت موافق على السر الأبوي بيني وبينك، مادام جدي على قيد الحياة؟"
اتصل أبي هاتفياً، لم أكن موجوداً في المنزل، أستلم جدي الرسالة:
" موافق على سر الأبوة- إيف".
في الواقع كنت هناك، لكن جدي لم يجدني، أحسن!
لكن الأكثر سرية من ذلك كله، يا شوكس، السر الذي أبوح به لكِ وحدك، والذي أحمله في حقائبي، إلى البحر، هو أنني بالأمس مساءً، وأنا أرتب أغراضي، وجدت شرائط الحذاء الأحمر؛ وفجأة، من الذي رأيته في الطريق، من الذي رأيت، احزري؟ هل حزرتِ، لا ؟
آنسة لها ضفائر، بالقرب من "جود"... إنها هي نفسها التي تظهر في الصورة... "ديزي"!
لن أخبر جدي بذلك مطلقاً خلال هذه الأيام.
أنا بصحة جيدة الآن.
بينما جدي لا يزال نحيفاً.
ملاحظة: "جوليا" قالت لي إن قطتي "مينيت" تنتظر صغاراً، وسوف تحتفظ لي بواحدة منها حتى عودتي من العطلة.
أقبلك، ياشوكس، بكل قوتي
نيقولا
النهاية