ماذا فعل النبي محمد (ص) حتى أصبح عظيماً بهذه الدرجة..
ماذا صنع محمد (ص) للانسان في تلك الفترة من حياته.. حتى نجد أن البشرية
كلما يبرز فيها عظماء عباقرة ومفكرون شخصيات تحولوا إلى أقزام بين يدي ذلك
العملاق.
حتى يقول فيه البروفسور (ستوبارت):
(إنه لا يوجد مثال واحد في التاريخ الإنساني بأكمله يقارب شخصية محمد!)
(إلا.. ما أقل ما امتلكه من الوسائل المادية وما أعظم ما جاء به من
البطولات النادرة، ولو إننا درسنا التاريخ من هذه الناحية، فلن نجد فيه
اسماً منيراً كاسم النبي العربي، الذي قدمه للبشرية سابقاً..؟).
وهل لا زالت أمتنا تتمكن أن تستفيد من هذا الذي صنعه الرسول في حياته إذا
عرفنا إن الشيء الذي قدمه الرسول للانسانية هو إتيانه بدين جديد شأنه شأن
سائر الأديان التي جاء بها الأنبياء قبله، مثل موسى وعيسى..؟
فأنه في هذه الحالة يبقى سؤال انه لماذا أصبح إذن محمد (ص) سيد المرسلين وخاتم الأنبياء..؟
ما هي هذه الميزة الموجودة في خاتم الأنبياء التي لا توجد في غيره ممن سبقه..؟
وإذا اعتبرنا محمداً (ص) كأي مصلح آخر جاء إلى شعبه وأنقذهم من التخلف
والانحطاط والحرمان، وأوجد لهم حياة حرة ينعم فيها الناس بالرضاء والمحبة
والوئام.
فإذن يجب أن يكون شأنه ـ في هذه الحالة ـ شأن سائر المصلحين الاجتماعيين
وهو أن يأتي فترة ويحكم ويحتل صفحات معينة من التأريخ ثم يمر عليه زمن
وتطوي تلك الصفحات، وينسى ذلك المصلح، ويخرج من ذاكرة الزمن والأجيال
الجديدة إلا أللهم مَن كان همهم هم دراسة التأريخ ورجاله ومَن أراد أن
يراجع أوراق التاريخ الصفراء ويقرأ سطورها المنسية فيعثر على اسم رجل كان
في فترة كذا وعمل كذا..
إذن ما الداعي إلى أن يعيش محمد (ص) في حياة الناس اليومية.. ويعاصر الزمن ويبقى الناس يرددون اسمه كل يوم؟؟
وهل يحتاج محمد (ص) أن يدخل في حياة الانسان اليومية إلى هذه الدرجة حيث
يصاح باسمه كل يوم عشرات المرات.. ويذكر ويصلى عليه؟ وماذا فعله محمد (ص)
حتى يظل إلى هذه الفترة يعيش مع الأجيال المتجددة ويحتفلون كل سنة بمولوده
ومعراجه وهجرته.. وحروبه وغزواته؟؟
واليوم حيث يطل القرن الحادي والعشرين على هجرته فتتحول الدنيا إلى مهرجان
احتفالاً بهذه المناسبة، نحن نعرف بأن أشخاصاً عظماء زاروا الحياة فترة
وعملوا ما عملوا وأنجزوا أعمالاً ضخمة، لكنهم نتيجة قدم الزمن ومرور
الأيام والعصور تحولوا إلى فسيفساء جميلة تزين جدار التأريخ وتحولوا إلى
مواد أثرية.. أو أساطير مدونة في الكتب التاريخية!
مثل الإسكندر المقدوني المعروف بذي القرنين.. أو سقراط وأفلاطون ونابليون
وغاليلو وكوبرينك ونيوتن وأديسون وانشتاين وغيرهم من العلماء والمخترعين
والملوك والفاتحين.
إلا أن محمداً (ص) الوحيد الذي يشارك الناس في حياتهم اليومية، ويجوز هذا الذكر الخالد والمعاصرة اليومية لحياة المجتمعات الحديثة.
إنه جزء محسوس من حياة المسلم العادية.. فتراه يصبح على ذكر محمد (ص) ويمسي على ذكر محمد (ص) ويلهج على ذكر محمد (ص).
إنه الانسان الوحيد الذي يعيش في كل زمان وفي كل مكان، لا تخلو أرض من
ذكره ولا تخلو لحظة واحدة عمن تلهج شفتاه باسمه المبارك، هل هناك سر..؟
وهل أن محمداً (ص) لا زال حياً بفعل الأمر الذي صنعه للحياة وبفضل الشيء الذي قدّمه للانسان.؟
ويا ترى ما هو؟ وماذا عمل النبي محمد (ص) حتى يستحق كل هذا المجد والخلود؟
وماذا قدم ولا زال لأفراد البشرية.. حتى يتطلب من الانسان أن يذكره كل يوم
ويستحضر شخصيته في عبادته وتوجهه لاستقبال كل يوم جديد؟
الجواب:
نحن الآن في عصر الصاروخ والكهرباء..
وفي عصر العقول الإلكترونية والنظريات العلمية الحديثة.
أي أن الانسان سد حاجاته المادية تقريباً، واكتفى من الناحية التكنولوجية
والآليات المكانيكية. ويعيش من ناحية الوسائل وطرق الرفاه والمواصلات
الحديثة في أرقى المستويات.
ولكن هذه الوسائل والتقنية لبت حاجات الانسان الجسدية فقط أما الحاجات
النفسية والروحية فلا زالت بحاجة إلى إشباع ولم تتمكن الحضارة الحديثة بما
أوتيت من وسائل وقوة أن تسد هذه الحاجات.
فالحضارة المادية المعاصرة أوصلت الانسان إلى حافة الدمار.. لأنها لا تحمل
في طياتها المضمون الانساني.. والهدف الحقيقي.. للكائن الحي.
(ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم).
إن أعظم مهمة في رسالة النبي هي: تحرير الانسان..
تحرير الانسان من القيود التي تبعده عن الحق، تحرير الانسان من الأغلال النفسية (الجبت) والأغلال الاجتماعية والسياسية (الطاغوت).
فشرط الإيمان في رسالة النبي محمد (ص): أولاً الكفر بالجبت والطاغوت..
أي رفض القيود والأغلال، وإزالة الأنظمة الجائرة، ومكافحة الطغاة من
الخارج بعد تحرير النفس من أغلال الخوف والجبن والكبر والشهوات في داخل
النفس.
إن أعظم ما قام به النبي محمد (ص) وصنعه وقدمه للحياة والانسانية: هو إنه
كسر عن الانسان تلك القيود التي كانت تكبل عقله ونفسه، يديه ورجليه،
وتمنعه من الانطلاق بحرية في الحياة من أجل تأمين سعادته واستقلاله
وكرامته، لقد كانت القيود والأغلال النفسية والخارجية تكبل حياة الانسان
كثيرة.. ورهيبة..
وجاء محمد (ص)، برسالة الحرية، وكسر تلك القيود الواحد بعد الآخر.
أول قيد وأعظم غل كان يطوق رقبة الانسان في ذلك العصر:
الجهل والتقليد الأعمى.
أغلال الخرافة والتقاليد الجاهلية..
لقد كان الجهل سائداً في ذلك المجتمع الجاهلي.. وكان ظلاماً مسيطراً على تفكير الناس..
وكان هذا الجهل سبباً لكل الآلام والمشاكل والجرائم التي يعاني منها الانسان في ذلك العصر.
وكان الانسان يرضى بذلك الواقع الفساد والوضع المتردي لأنه كان يجهل طريق السعادة والصلاح في الحياة.
وكان الانسان يرضى بأن يسيطر عليه حفنة من المرابين والتجار.. تحت غطاء
الأصنام والأوثان المقدسة.. فكان هؤلاء المظلومون والدجالون يلعبون بعقله
ويستنزفون جهوده ويسترقونه ويبقونه عبداً خاضعاً لهم..
لقد كان أغلب الناس في مكة يعيشون عبيداً تحت سيطرة مجموعة من السادة
والأغنياء المستكبرين.. وهؤلاء يلهبون ظهور أولئك العبيد بالسياط ويحملون
على ظهورهم الأثقال. وهم يئنون تحتها ولا يستطيعون أن يتنفسوا في الهواء
الطلق أو يستنشقوا نسمة الحرية.
بخير معلومات تقبلو تحياتي ..
يتبع....