كرة القدم المغربية بأسبانيا: تراجع مؤسف

كرة القدم المغربية بأسبانيا: تراجع مؤسف

بوعزى عسام

2010-02-08

كرة القدم المغربية بأسبانيا: تراجع مؤسف BenBarekLarbi

ما من شك أن لعبة كرة القدم قد أصبحت تتجاوز حدود الرياضة إلى حد بعيد لتتحول إلى ظاهرة اجتماعية جماهيرية ذات أبعاد يمكن وصفها بالرهيبة. ولا غرابة في هذا الأمر على اعتبار أن القيم التي يمثلها الرياضيون (الرياضة والصحة والتضامن داخل وخارج الملعب) تساهم في صنع صورة مشرقة عن البلد.

سنحاول في هذا المقال التطرق إلى حضور اللاعبين العرب، والمغاربة على وجه الخصوص، في كرة القدم الإسبانية ماضيا وحاضرا، من خلال عرض تاريخي لأهم الأسماء، وتأمل في الاتجاهات التي ينحوها الحضور المغربي في الملاعب الإسبانية.

تألق مبكر

يمكن القول أن بدايات حضور اللاعبين العرب والأفارقة كانت متميزة إلى حد كبير، ومثلها باقتدار كبير اللاعب الدولي العربي بن مبارك. فبعد بداية المشوار في أندية بالدار البيضاء، مسقط رأسه، انتقل هذا اللاعب الظاهرة إلى أعتى الأندية الفرنسية، بأداء رائع. توالت عليه العروض من شتى الفرق الا انه فضل عرض نادي اتليتيكو مدريد الذي كان يطمح إلى المنافسة على "الليغا" فانتدب أحد أشهر لاعبي الوسط الهجومي في العالم فالتحق بنادي اتليتيكو مدريد في موسم 1948/1949، واحدث ثورة كروية في النادي القشتالي وقاده للحصول على لقب الليغا لاول مرة في تاريخ النادي في موسم 1949/1950 بل وأحرز معه اللقب مرة أخرى متتالية في السنة الموالية 1950/1951. وفي نهاية الموسم الكروي 1953/1952 غادر العربي بن مبارك العاصمة مدريد بعد أن قاد الفريق إلى أول لقب للدوري، وأحرز للنادي القشتالي 56 هدفا في 113 لقاء خلال 5 مواسم وشكل إلى جانب السويدي كارلسون اقوى خط هجوم في الليغا بداية الخمسينات. وكانت حقبة تاريخية لاتلتيكو مدريد بتواجد النجوم سيلفا و دومينغو و هيلانيا و زابالا و السويدي كارلسون. أطلق عليه المتتبعون الكرويون انداك لقب الجوهرة السوداء، أطلق الأسبان على ثنائية بن مبارك وكارلسون هجوم الكريسطال.

وقد أعقب هذا التألق المبكر فترة غياب طويلة، اللهم إذا استثنينا إسهام اللاعب عبد الله أنطاكي الملقب بعبد الله مالقة الذي أرتبط بنادي مالقة الى حين اعتزاله.

ووجب انتظار عقد الثمانينيات الذي يعد الفترة الذهبية في تاريخ كرة القدم المغربية. فبعد الأداء الرائع لحارس مرمى فريق الوداد البيضاوي والمنتخب الوطني المغربي في كأس العالم مكسيكو 1986، بادو الزاكي، بدأ هذا الأخير مشوارا احترافيا موفقا امتد من 1986 إلى 1992 بنادي مايوركا الإسباني وحقق معه نتائج لا يستهان بها، وكان أهمها التأهل لنهائي كأس إسبانيا لأول مرة في تاريخ مايوركا سنة 1990. كما لمع الزاكي في الدوري الإسباني واستطاع التصدي لضربات جزاء من أشهر لاعبي الكرة كالأرجنتيني سانشيز و الهولندي كومان . بفضل هذه الإنجازات، تم اختياره أحسن لاعب أجنبي بالليغا ل3 سنوات متتالية ، كما تم اختياره أحسن حارس بكأس العالم 1986، هذا ومازال التمثال الذي تم نصبه في إحدى ساحات عاصمة جزر البليار شاهدا على عرفان النادي لخدمات هذا الحارس الفلتة. هذا وقد لحق به في تجربة الاحتراف بنادي مايوركا لاعب هجوم الوداد البيضاوي والمنتخب الوطني حسن ناضير من 1990 إلى 1992.

العقد الذهبي

شكل عقد التسعينيات الفترة الذهبية لللاعبين المغاربة في الدوري الإسباني كما وكيفا. غير أن الوجه الأبرز دون جدال هو مدافع الوداد البيضاوي والمنتخب الوطني المغربي نورالدين نيبت. فمنذ انضمامه إلى ديبورتيفو كورونيا سنة 1996، شكل أحد اللاعبين الأساسيين للتشكيلة التي نجحت في مقارعة قطبي الكرة الأسبانية ريال مدريد ونادي برشلونة حيث كان قاب قوسين أو أدنى من إحراز اللقب عامي 1997 و1998 قبل أن ينجح في ذلك سنة 1999 – 2000. وقد لحق بالمدافع النجم في فريق لاكورونيا مهاجم الرجاء البيضاوي صلاح الدين بصير مع بداية موسم 1997 -1998 بعد توقيع عقد لمدة 4 سنوات مع الفريق، لعب في موسمه الأول 21 مباراة وسجل فيها 5 أهداف، و هو معدل جيد بالنسبة للاعب جديد على الليغا. وفي نفس السنة، انتقل إلى نادي لاكارونا الإسباني ، و لعب معهم حتى عام 1999، و شارك معهم في 31 مباراة و سجل هدفين.

إضافة إلى الثلاثي المغربي في فريق لاكورونيا، تجدر الإشارة إلى تجربة كل من ياسين العبدلاوي 1998-1999 في نادي ريو فايكانو (مدريد)، وسعيد شيبا في نادي كومبوستيلا 1996-1999.

غير أن بداية القرن الحادي والعشرين لم تعرف نفس الوتيرة، فتجارب الاحتراف كانت جد متواضعة، بدء من وليد الركراكي، المغربي الذي ولد وتلقى تكوينه في فرنسا، الذي لعب لفريق راسينغ سانتاندير لموسمي 2004/2005 و 2005/2006 قبل الانتقال إلى فرنسا، إضافة إلى محمد اليعقوبي الذي ولد بالناظور لكنه قدم إلى إسبانيا صغيرا وتلقى تكوينه في مدرسة نادي برشلونة، ولعب في عدة فرق بالدرجة الأولى والثانية إلى الآن. وختاما نشير إلى نبيل باها، اللاعب الذي ولد ونشأ في فرنسا ويلعب حاليا في موقع الهجوم لصالح نادي الدرجة الأولى مالقا الإسباني منذ 2007.

بعد هذا الجرد الموجز، نود أن نؤكد على جملة أمور:

1. إن منافسات الدوري الإسباني بمختلف أقسامه تجذب أحسن اللاعبين في العالم منذ زمن، وهؤلاء اللاعبون الذين ينتمون إلى كل أنحاء المعمور يمثلون بلدانهم ويشكلون مصدر فخر لكل إخوانهم المقيمين في هذا البلد. ومثال ذلك لاعب فريق إشبيلية فردريك كانوتي الذي، على الرغم من كونه ولد ونشأ في فرنسا، غير أنه لم ينس بلده الأصلي، مالي، ويفتخر بدينه وانتمائه إلى دينه عبر القيام بعمل خيري عبر مباريات رمزية لصالح أطفال بلده.

2. وعليه، فإن المطلوب ليس لاعبون يحضرون فقط للتواجد في الصورة واللعب في الأندية الأوروبية، بل لاعبين متميزين يمثلون بلادهم خير تمثيل. وفي هذا الصدد، نعتبر أنه من الإجحاف ألا تتواجد في الدوري الإسباني مواهب كروية تصنع الحدث، تليق بالمواهب الكروية التي تزخر بها البلدان العربية.

3. غير أن المستقبل، كما يظهر من خلال تتبع التجارب الكروية القريبة، هم أبناء المهاجرين الذين يتلقون تكوينهم داخل المدارس الكروية للأندية الإسبانية على غرار ما حدث في فرنسا وباقي الدول الأوربية. ونعتقد أن هؤلاء الفتيان سيقولون كلمتهم في السنوات القليلة القادمة.

4. ما أسلفنا بشأن الجيال الجديدة في أوروبا لا يجب أن يجعلنا نغفل ضرورة السعي إلى تحسين أداء المنافسات المحلية في الدول العربية لإخراج لاعبين من طينة العربي بن مبارك ورابح ماجر وأحمد راضي والزاكي ونور الدين النيبت وسامي الجابر وغيرهم. وفي الأخير، لا يسعنا إلا أن نأمل عودة الحضور العربي، والمغربي خصوصا، والذي نعتقد أنه سيكون إضافة مهمة. فأسلوب اللعب المتوسطي الذي يعتمد المهارات الفردية والفرجة قاسم مشترك بين جمهور المحبين لكرة القدم في البلدين.