القرآن الكريم معجزة الرسول -صلى الله عليه و سلم- الباقية الخالدة، وهو كلام الله الذي يعجز البشر عن محاكاته والإتيان بمثله في كل زمان ومكان، وقد تحدى الله به العرب، وهم أهل الفصاحة والبلاغة، تحداهم الله أن يأتوا بمثله أو بعشر سور مثله، أو بسورة واحدة من مثله، فقال تعالى :
" قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (88)" (الإسراء:88)
وقال أيضًا :
" أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (13)" (هود:13)
وقال أيضًا :
" أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (38)" (يونس:38)
وكان من المتوقع أن يستثير هذا التحدي بعض بلغاء العرب؛ فيحاولوا محاكاة القرآن، لكنهم عجزوا عن التحدي، على الرغم أن ما طلب منهم هو من جنس ما نبغوا فيه، فراحوا يتهربون من مواجهة هذا التحدي إلى أمور أخرى، فاتهموا النبي -صلى الله عليه و سلم- بالجنون والسحر وتأليف القرآن .
· "الوليد بن المغيرة" يعترف بإعجاز القرآن :
وكان كفار "مكة" يعترفون فيما بينهم بأن القرآن معجز، وأنه ليس من كلام البشر، لكنهم لم يكونوا يعلنون ذلك، وقد روى أن "الوليد بن المغيرة"، وكان من أشد أعداء الإسلام سمع النبي -صلى الله عليه و سلم- يقرأ من سورة "غافر" قوله تعالى :
"حم (1) تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (2) غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ (3)" (غافر:1-3)
فقال " الوليد بن المغيرة ": والله لقد سمعت منه كلامًا ما هو من كلام الإنس، ولا من كلام الجن، وإن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة .. وإنه ليعلو ولا يعلى عليه، وما يقول هذا بشر .
ويرجع إعجاز القرآن إلى فصاحة ألفاظه وبلاغة أساليبه، وخفته على اللسان، وحسن وقعه في السمع، وأخذه بمجامع القلوب وإخباره بأمور غيبية، واشتماله على أخلاق سامية فاضلة، وحقائق علمية، وشريعة عادلة كاملة صالحة لكل الناس في كل مكان وزمان ، ويتميز القرآن بسلامته من التعارض والتناقض ، مصداقًا لقوله تعالى :
" أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا (82)" (النساء:82)
وقد اجتمعت هذه الصفات كلها في القرآن الكريم، مع أن الذي نزل عليه القرآن رجل أمي، لا يقرأ ولا يكتب، ونشأ بين قوم مشركين، ولم يجلس إلى معلم، ولم يخط بيمينه حرفًا واحدًا .
· ضيق التنفس :
أثبت العلم الحديث والأبحاث العلمية المتخصصة صدق وصحة ما جاء به القرآن الكريم الذى نزل منذ أكثر من أربعة عشر قرنًا على رسول الله،-صلى الله عليه و سلم-
فى قوله تعالى:
"فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ" (الأنعام:125)
فهذه الآية الكريمة تتضمن كثيرًا من الحقائق التى أثبتها العلم الحديث فمن خلال التعرف على تكوين الغلاف الجوى وطبقاته وتأثيره على جسم الإنسان، تبين أن الغلاف الجوى ينقسم إلى عدة مناطق، منها منطقة تبدأ من سطح البحر إلى ارتفاع (10000) قدم وفيها يستطيع الإنسان أن يعيش بصورة طبيعية، لأن كمية الأكسجين الموجودة تكفى لحياته ، وتليها منطقة تبدأ من ارتفاع (10000) قدم إلى (50000) قدم، وفيها لاحظ العلماء نقصًا فى الأكسجين بالإضافة إلى انخفاض الضغط الجوى، وينتج عن ذلك آثار ضارة واضحة على جسم الإنسان ، بعدها منطقة تبدأ من ارتفاع (50) ألف قدم إلى حوالى (633) ألف قدم، وفيها لا يتمكن الإنسان من العيش فيها، بل لابد له أن يرتدى ملابس الفضاء المجهزة والمزودة بالأكسجين ، لكى يتحمل الانخفاض فى الضغط الجوى، و النقص الكبير للأكسجين فى هذه الارتفاعات العالية .
وعندما يصل الإنسان إلى هذه الارتفاعات العالية فإن كمية الأكسجين تهبط بسرعة إلى مستوى يشكل خطورة على الحياة، ومن ثم على أعضاء الجسم المختلفة .
وهنا يجد العلماء تفسيرًا واضحًا لضيق الصدر الذى يشعر به الإنسان عندما يصعد إلى هذه الارتفاعات، وهو بيان يتفق مع ما تشير إليه الآية الكريمة من شعور الإنسان بضيق في الصدر عندما يصعد فى السماء أى : فى طبقات الجو العليا ؛ فالآية الكريمة ذكرت أن ضيقًا يحدث بالصدر عند الصعود فى السماء ويزداد كلما صعد إلى أعلى، وقد أكد العلماء فى أبحاثهم أن الإنسان يشكو فى هذه المناطق عالية الارتفاع عن سطح الأرض من الإجهاد والصداع، والشعور بالرغبة فى النوم، وصعوبة التنفس، وضيق الصدر، وهذا يتفق مع ما ورد فى الآية الكريمة .
والحقائق العلمية فى هذه الآية الكريمة لم يصل إليها الأطباء إلا بعد بحث واجتهاد دام عشرات السنين.
· الرقم سبعة فى الكون :
يرى العلماء أن الرقم سبعة فى القرآن الكريم يحمل الكثير من الأسرار، وأن هذا الرقم يملك دلالات كثيرة فى الكون والقرآن والأحاديث الشريفة، حتى إن تكرار هذا الرقم فى القرآن الكريم قد جاء بنظام محكم .
فعندما ندرك أن النظام الكونى قائم على الرقم سبعة، ونكتشف أن الرقم ذاته يتكرر بنظام فى كتاب أنزل قبل أربعة عشر قرنًا، فإن هذا التشابه يدل على أن خالق الكون هو منزل القرآن سبحانه وتعالى .
وعندما بدأ الله - سبحانه وتعالى - خلق هذا الكون اختار الرقم سبعة ليجعل عدد السماوات سبعة وعدد الأرضين سبعة .
وفى ذلك يقول تعالى :
"اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا" (الطلاق :12)
وحتى الذرة التى تعد الوحدة الأساسية للبناء الكونى تتألف من سبع طبقات إلكترونية ولا يمكن أن تكون أكثر من ذلك .
وكذلك عدد أيام الأسبوع سبعة ، وعدد ألوان الطيف الضوئى المرئى سبعة .
الرقم سبعة فى الأحاديث النبوية الشريفة :
للرقم سبعة حظ وافر فى الأحاديث النبوية الشريفة، ومن ذلك حديث رسول الله -صلى الله عليه و سلم- عن الكبائر فقد حدد سبعة أنواع فقال -صلى الله عليه و سلم- : "اجتنبوا السبع الموبقات .." (أخرجه البخارى ومسلم) .
وعندما تحدث رسول الله -صلى الله عليه و سلم- عن الذين يظلهم الله - سبحانه وتعالى - يوم القيامة حدد سبعة أصناف فقال -صلى الله عليه و سلم- : "سبعة يظلهم الله فى ظله يوم لا ظل إلا ظله ..." ( أخرجه البخارى ومسلم) .
وعندما تحدث رسول الله -صلى الله عليه و سلم- عن الظلم والغضب جعل هذا الرقم رمزًا للعذاب يوم القيامة، فقال:"من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه من سبع أراضين" . ( أخرجه البخارى ومسلم).
وعندما تحدث رسول الله -صلى الله عليه و سلم- عن القرآن جعل للرقم سبعة علاقة وثيقة بهذا الكتاب العظيم فقال: " إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف" . ( أخرجه البخارى ومسلم) .
وفى أسباب الشفاء أمر الرسول -صلى الله عليه و سلم- المسلم أن يضع يده على مكان الألم ويقول سبع مرات : "أعوذ بالله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر" (أخرجه مسلم) .
وعندما يكون الحديث عن الطعام نجد للرقم سبعة الحضور، يقول رسول الله -صلى الله عليه و سلم- : " من تصبح كل يوم بسبع تمرات عجوة لم يضره فى ذلك اليوم سم ولا سحر" ( أخرجه البخارى ومسلم).
وكذلك وردت كثير من الأحاديث الشريفة التى تتحدث عن الصيام وعن الأجر الكبير الذى أعده الله للصائم كما فى قوله :"ما من عبد يصوم يومًا فى سبيل الله إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفًا" ( أخرجه البخارى ومسلم)
وكذلك كان للرقم سبعة نصيبه من فريضة حج البيت الحرام، ففى هذه العبادة يطوف المؤمن حول بيت الله الحرام سبعة أشواط .
ويسعى بين "الصفا" و"المروة" سبعة أشواط – أيضًا - كما يرمى الحاج سبع جمرات .
§ الرقم سبعة فى القرآن :
تكرر ذكر الرقم سبعة فى القصص القرآنى : ففى قصة سيدنا "نوح" – عليه السلام – دعى قومه للتفكر فى خالق السماوات السبع فقال لهم :
"أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا" (نوح :15)
وفى قصة سيدنا "يوسف" – عليه السلام – فقد فسر رؤيا الملك القائمة على هذا الرقم، يقول تعالى :
"وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَأَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ" (يوسف : 43)
كما ورد هذا الرقم فى كثير من قصص القرآن الكريم، كما فى قصة عذاب قوم سيدنا "هود" – عليه السلام .
وفى قصة سيدنا "موسى" – عليه السلام – ورد ذكر الرقم سبعين وهو من مضاعفات الرقم سبعة، كما ورد هذا الرقم فى قصة أصحاب الكهف .
كما لا يقتصر الحديث عن الرقم سبعة عند الحديث عن الحياة الدنيا، بل نجده – أيضًا - عند الحديث عن الآخرة؛ حتى إن كلمة "القيامة" تكررت فى القرآن الكريم سبعين مرة وهو من مضاعفات السبعة، وتكررت كلمة "جهنم" فى القرآن كله سبعًا وسبعين مرة، وهو من مضاعفات السبعة .
وعند الحديث عن عذاب الله – تعالى - فى ذلك اليوم يقول عزوجل :
"خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ(32)" (الحاقة 30 – 32)
وعند حديثه عن الثواب والأجر من الله – تعالى - لمن أنفق أمواله فى سبيل الله يقول تعالى :
"مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ " (البقرة :261)
كما بدأ القرآن الكريم سبع سور بالتسبيح لله تعالى، وهى : "الإسراء" – "الحديد" – "الحشر" – "الصف" – "الجمعة" – "التغابن" – "الأعلى" .