الوقوع تحت وطأة السلبية :
قد يعمد المرء في فترات معينة من حياته إلى ما يشبه الإحجام عن مواجهة ظروف الحياة الصعبة، ويكون في قرارة نفسه مؤجلاً ومسوفاً في حل بعض المشاكل التي يتعرض لها، يختلق لنفسه الأعذار ويجعل لها المخارج مهما كانت بعيدة أو واهية، ولا شك أنه حينما يفعل ذلك يلجأ إلى ما ينسيه مشكلته ويخفف عنه أثرها، فربما فعل أشياء لا يقتنع بها، وسار في طريق لم يفكر يوماً أن يسير فيه...
تبدأ هنا نقطة التحول، وتحصل المفاضلة الفاصلة بين الطريقين... بين أن يرجع إلى نفسه، ويحاول أن يقف مع الملمة وقفة تأنٍ، يصلح فيها الخلل، ويرأب الصدع، يكمل بعد ذلك حياته بطمأنينة وهدوء، وبين أن يستسلم لواقعه، ويركن إلى مصيره، فيتحول بعد ذلك مساره إلى الاتجاه الخاطئ... ربما يعكس هذا حالات كثيرة تتواجد في مجتمعنا المسلم، وتعطل تقدمه وازدهاره، والعيب إنما يكمن في آلية مفقودة، ومهارة نادرة، ربما لو تدربنا عليها لتغلبنا على كثير من العوائق التي تؤخرنا عن إدراك الركب... لا شك في أننا جميعاً نمر بمواقف حرجة، وضغوط متفاوتة، ولكنها تمر بنا على كل حال، فالكيِّس من جعل لنفسه الطريق الآمنة التي يخرج من خلالها بأقل الخسائر، بل يحاول أن يحوِّل المحنة إلى منحة، يحقق منها الأرباح، فينقلب بعد ذلك وقد استفاد خبرة وعلماً.
إن بعض المواقف لا تتطلب منَّـا كثير عناء وجهد، بل قد تحتاج فقط لنفس طويل، وأفق واسع يصرفك عن إحداث شيء قد يضاعف من المشكلة، تنفرج المشكلة بعد ذلك تلقائياً... ومواقف أخرى تريد منك الفكر الهادئ، والعقل المنطقي لكي تأخذ طريقها إلى الحل، ذلك أنها من النوع الذي يحتاج المجادلة والحوار... لكن مشاكل أخرى تحتاج الحل الحاسم، والرأي الحازم الذي لايدع فرصة للتخبط، أو مجالاً للحيرة... يتولد من ذلك ميزان دقيق لابد من أن يوجد لكي يفرِّق بينها جميعاً، وتأتي هنا مهارة الاستفادة من أخطاء الماضي، فتعلمه كيف يتعامل مع كل مشكلة على حدة، وكيف يعطي كل واحدة منها الوقت والجهد الذي تستحقه.
إن عدم الوثوق بالإمكانات والوقوع تحت وطأة السلبية والتردد في حل المشاكل التي تطرأ على الإنسان حتى تصل إلى درجة الاستفحال هو بداية طريق الفشل الحتمي الذي ينتظر ذلك الخائف الوجل الواقف على حافة الطريق، وتتميز شخصية المسلم بكثير من الثقة بالنفس يستمد ذلك من يقينه الكامل بمصداقية دعوته وخلوص دينه، وكلما زاد إيمانه، وعظم ارتباطه وتعلقه بهذا الإيمان، كلما أحسَّ بإيجابيته وثقته بنفسه... ولعل الكثير من المحللين لا يعيرون ذلك الأهمية التي يستحقها، فيربطون الثقة بعوامل أخرى لا شك في أنها تؤثر فيها، مثل تربيته، ونسبة الذكاء والبيئة المحيطة، والنجاح أو الفشل الذي يواجه الشخص في بداية حياته... إلى غير ذلك، ولكن الإيمان بالفكرة والاقتناع التام بالهدف من العمل من أعظم العوامل التي تؤثر في نجاح ذلك العمل أو فشله، يتأكد ذلك بمجرد النظر في تاريخ وسير أصحاب الدعوات الباطلة الموجودة على الساحة العالمية... هذا وهم منقطعون عن المدد الإلهي، بعيدون عن العون الرباني الذي وعدناه من ربنا إن نحن سرنا على الطريق الحق، وأخذنا بأسباب السنن الكونية، والقوانين السماوية.
دمتم برعاية الله