طائر نصاب و محتال مع سبق الاصرار و الترصد !
الوقواق (Cuckoo ) هو طائر ينتمي الى عائلة من الطيور المنتشرة في مختلف أنحاء العالم , بعضها من النوع المهاجر , و هي طيور متوسطة الحجم تتراوح أطوالها بين 15 – 65 سم و تمتاز ببعض الصفات المتشابهة فيما بينها مثل المنقار الطويل المعقوف قليلا و كذلك تتميز أقدامها بوجود أربعة أصابع , اثنين في المقدمة و اثنين إلى الخلف. و تختلف ألوان و أشكال الوقواق حسب نوعه و طبيعة البيئة التي يعيش فيها. أما غذائها فيعتمد بشكل أساسي على الحشرات و يعرف عنها التهام نوع من الديدان الشوكية السامة التي تتجنب بقية الطيور التهامها.
للوهلة الأولى قد يظن الإنسان انه لا يوجد شيء في مظهر و تصرفات طيور الوقواق يميزها عن غيرها من الطيور أو يجذب الانتباه إليها , فهي طيور خجولة نادرا ما ترى و أحيانا لا يستدل على وجودها إلا من خلال صوتها المميز , لكن من خلال المراقبة و الملاحظة الدقيقة سيكتشف الإنسان أمورا شديدة الغرابة في سلوك هذا الطير , فهي لا تبني أعشاشا و لا تحتضن بيضا و لا تزق أفراخا , بل تترك هذه المهمة الشاقة بأكملها على عاتق طيور أخرى تربي لها أفراخها مجانا!. فعندما تريد أنثى الوقواق وضع بيضها تبدأ بالبحث على عش طائر أخر , و تفضل الطيور الصغيرة الحجم كالعصافير , و عادة ما تختص كل مجموعة من طيور الوقواق بالتطفل على نوع خاص من الطيور فتضع بيضا يشبه شكل بيض الطائر الضحية من حيث الحجم و الشكل , و تبدأ أنثى الوقواق بمراقبة عش الطائر الضحية بشكل مستمر , كما تقوم بطريقة لا يعلم أسرارها العلماء حتى اليوم بضبط تاريخ وضع بيضها مع تاريخ وضع الطير الضحية لبيضه و التي ما أن يضعها حتى تبدأ أنثى الوقواق بتحين الفرص لتنفيذ خطوتها التالية , أحيانا بمفردها و تارة بمساعدة ذكرها. في الحقيقة لا تحتاج أنثى الوقواق سوى إلى أن يبتعد الطائر الضحية عن عشه لمدة عشرة ثواني لا غير لتحصل على مرادها و مرامها , و حين تحين هذه الفرصة النادرة فأنها تنقض بسرعة على العش فتلتقط إحدى بيضات الطائر الضحية و تلقي بها خارج العش ثم تبيض هي بيضة واحدة محلها و تبتعد مسرعة. و عندما يعود الطائر الضحية إلى عشه فأنه غالبا لا ينتبه إلى ما جرى و لا يميز بين بيضة طائر الوقواق و بين بيضه فيحتضنها مثل الأخريات , و عادة ما تفقس بيضة طائر الوقواق قبل أن يفقس بيض الطائر الضحية. و يبدو أن فرخ الوقواق لا يقل دناءة في سلوكه عن والدته الحقيقية , فهو يتحين الفرص بانتظار أن يترك الطير الضحية العش و يذهب لجمع الطعام و ما أن تحين هكذا فرصة حتى يقوم مسرعا بدحرجة بيض أو أفراخ الطائر المضيف و يلقي بها خارج العش و بهذا يخلو لها الجو و يحصل على العناية و الغذاء لوحده بدون شريك. و رغم انه فرخ الوقواق ينمو بسرعة ليصبح مختلفا عن الطائر الضحية من حيث الشكل و الحجم إلا أن هذا الأخير لا يلاحظ و لا يميز ذلك و يستمر بتغذية الفرخ حتى يكتمل نموه و يتمكن من الطيران مبتعدا عن العش.
طبعا ليست جميع عمليات الاحتيال التي يقوم بها طائر الوقواق ناجحة فأحيانا يميز الطائر الضحية بيضة الوقواق فيرفضها و يرمي بها خارج العش , كما أن بعض الطيور و العصافير التي اعتاد الوقواق على التطفل على اعشاشها تقوم بحراسة عشها جيدا و تقاتل أي طائر وقواق قريب منه حتى تطرده من المكان.
طبعا قد تسأل عزيزي القارئ عن الكيفية التي يتمكن بها طائر الوقواق من القيام بعملية النصب المحكمة هذه على الطائر الضحية , و الحقيقة الجواب يكمن في الوارثة إذ يبدو أنها عملية جينية و ليست مكتسبة من قبل الطير عن طريق التعلم , ففرخ طائر الوقواق مثلا يقوم برمي شركائه في العش إلى الخارج رغم انه طبعا لم يرى أحدا يقوم بهكذا عملية سابقا و لم يعلمه احد على القيام بذلك بل هي مسألة فطرية تعود في أساسها إلى الوراثة و إلى حكمة الخالق.