عوَّضهُ اللهُ خيراً منهُ
ذكر ابنُ رجب وغيرُه أنَّ رجلاً من العُبَّادِ كان في مكة ، وانقطعتْ نفقتُه ، وجاع جوعاً شديداً ، وأشرف على الهلاكِ ، وبينما هو يدورُ في أحدِ أزقَّةِ مكة إذ عثر على عِقْدِ ثمينٍ غالٍ نفيسٍ ، فأخذه في كمِّه وذهب إلى الحَرَمِ وإذا برجلٍ ينشدُ عن هذا العقد ، قال : فوصفه لي ، فما أخطأ من صفتِه شيئاً ، فدفعتُ له العِقْد على أن يعطيني شيئاً . قال : فأخذ العقد وذهب ، لا يلوي على شيء ، وما سلَّمني درهماً ولا نقيراً ولا قطميراً . قلتُ : اللهمّ إني تركتُ هذا لك ، فعوِّضني خيراً منه ، ثم ركب جهة البحرِ فذهب بقاربٍ ، فهبَّتْ ريحٌ هوجاءُ ، وتصدَّع هذا القاربُ ، وركب هذا الرجل على خشبةٍ ، وأصبح على سطحِ الماءِ تلعبُ به الريح يمْنَةً ويَسْرَةً ، حتى ألقتْه إلى جزيرةِ ، ونَزلَ بها ، ووجد بها مسجداً وقوماً يصلُّون فصلَّى ، ثم وجد أوراقاً من المصحفِ فأخذ يقرأ ، قال أهل تلك الجزيرةِ : أئنك تقرأ القرآن ؟ قلتُ : نعمْ . قالوا : علِّمْ أبناءنا القرآن . فأخذتُ أعلِّمهم بأجرةٍ ، ثم كتبتُ خطاً ، قالوا : أتعلِّم أبناءنا الخطَّ ؟ قلتُ : نغم . فعلَّمتُهم بأجرةٍ .
ثم قالوا : إن هنا بنتاً يتيمةً كانت لرجلٍ منا فيه خيْرٌ وتُوفِّي عنها، هل لك أن تتزوجها؟ قلتُ: لا بأس. قال: فتزوجتُها ، ودخلتُ بها فوجدتُ العقْد ذلك بعينهِ بعنقِها . قلتُ: ما قصةُ هذا العقدِ ؟ فأخبرتِ الخَبَرَ ، وذكرتْ أن أباها أضاعه في مكة ذات يوم، فوجده رجلٌ فسلّمه إليه ، فكانَ أبوها يدعو في سجودِه ، أن يرزق ابنته زوجاً كذلك الرجل . قال : فأنا الرجلُ .
فدخل عليه العِقْدُ بالحلالِ ، لأنه ترك شيئاً للهِ ، فعوَّضه الله خيراً منه (( إنَّ الله طيبٌ لا يقبلُ إلاَّ طيِّباً )) .