حياةٌ كلُّها تعبٌ
لا تحزنْ منْ كدرِ الحياةِ ، فإنها هكذا خُلقتْ .
إنَّ الأصل في هذه الحياة المتاعبُ والضَّنى ، والسرورُ فيها أمرٌ طارئٌ ، والفرحُ فيها شيءٌ نادرٌ . تحلو لهذه الدارِ واللهُ لم يرْضها لأوليائِه مستقرَّا ؟!
ولولا أنَّ الدنيا دارُ ابتلاءٍ ، لم تكُنْ فيها الأمراضُ والأكدارُ ، ولم يضِقِ العيشُ فيها على الأنبياء والأخبار ، فآدمُ يُعاني المِحن إلى أن خرج من الدنيا ، ونوحٌ كذَّبهُ قومُه واستهزؤُوا به ، ولإبراهيمُ يُكابِدُ النار وذَبْحَ الولد ، ويعقوبُ بكى حتى ذهب بصرُه ، وموسى يُقاسي ظُلم فرعون ، ويلقى من قومه المِحنَ ، وعيسى بنُ مريم عاش معدماً فقيراً ، ومحمدٌ r يُصابِرُ الفقْر ، وقتلِ عمِّهِ حمزة ، وهو منْ أحبِّ أقاربِه إليه ، ونفورِ قومِهِ منهُ . وغير هؤلاء من الأنبياءِ والأولياءِ مما يطُول ذِكْرُهُ . ولو خُلقتِ الدنيا لِلَّذَّةِ ، لم يكنْ للمؤمنِ حظٌّ منها . وقال النبي r : (( الدنيا سجنُ المؤمنِ ، وجنَّةُ الكافرِ )) . وفي الدنيا سُجِن الصّالحون، وابتُلي العلماءُ العاملون ، ونغِّص على كبارِ الأولياءِ . وكدّرتْ مشارِبُ الصادِقِين.
وقفـــــة
عن زيدِ بنِ ثابتٍ – رضي اللهُ عنه – قال : سمعتُ رسول اللهِ r يقولُ : ((منْ كانتِ الدنيا همَّةُ ، فرَّق اللهُ عليهِ أمرهُ ، وجعل فقرهُ بين عينيْه ، ولم يأتِهِ منَ الدنيا إلا ما كُتب له. ومنْ كانتِ الآخرةُ نِيَّتهُ، جمع اللهُ له أمرهُ ، وجعل غناهُ في قلبِهِ ، وأتتْه الدنيا وهي راغمةٌ)).
وعنْ عبدِالله بن مسعودٍ – رضي اللهُ عنه – قال : سمعتُ نبيَّكم r يقولُ : (( منْ جعل الهموم هماً واحداً ، وهمَّ آخرته ، كَفَاهُ اللهُ همَّ دنياه ، ومنْ تشعبَّتْ به الهُمُومُ في أحوالِ الدُّنيا ، لم يُبالِ اللهُ في أيِّ أَوْدِيتِها هَلَكَ )) .
قال الكاتبُ المعروفُ بـ « الببْغاء » :
تنكَّبْ مذْهبَ الهمجِ
وعُذْ بالصبرِ تبْتَهِجِ
فإنَّ مُظلمَ الأيَّا
م محجوجٌ بلا حُججِ
تُسامحُنا بلا شُكرٍ
وتمْنَعُنا بلا حرجِ
ولُطفُ الله في إتيا
نهِ فتْحٌ مِن اللّججِ
فمِنْ ضِيقٍ إلى سعةٍ
ومِنْ غمٍّ إلى فرجِ