عاشت الحركة العمالية العربية بشكل عام والعراقية على وجه التحديد فترات عصيبة من المخاض وتلقت ضربات موجعة من الأنظمة القمعية موجهة لأحزابها الماركسية اللينينية الأمر الذي سببت تلك الهجمات أذى كبيرا وعطّلت الكثير من برامجها ومشاريعها ونضالها الطبقي لبناء مجتمع مساواة للانتقال إلى أوضاع سياسية تحفظ كرامة الإنسان.
منذ مدة ليست بالقريبة كان المد الجماهيري إبانن العراقيين بكل شرائحهم من طلاب وفلاحين وشغيلة فكر الأمر الذي خلق هذا الوضع حراك فكري وثقافي ونضالي خرّج الآلاف من هذه المدرسة الثقافية التي أسست لتقليد مجتمعي كان بمثابة النقلة النوعية لتربية أجيال من الشباب بقيت متجذرة في المجتمع العراقي وأعطت مشاعل فكرية سياسية وثقافية قبل أن يحدث الخراب على يد النظام البعثي القمعي الذي انتشر في كل مفاصل الحياة العراقية بعد أن حول الحركة العمالية إلى جهاز مخابرات تابع لسلطة البعث لتصفية النضال العمالي بقياداته الماركسية وتحويل الفكر العمالي الاممي إلى فكر شوفيني متخلف.
ساعد في هذا الوضع الشائن والكارثي، الزلزال الذي حدث في تسعينيات القرن الماضي حين انهار النظام الشيوعي في الاتحاد السوفيتي وكافة دول المنظومة الاشتراكية لأسباب لا مجال لذكرها الآن في هذه المساحة المحدودة. فقط نؤكد على الممارسات المغلوطة والفهم الضيق لكثير من قيادات الأحزاب الشيوعية لتلك الدول وتحديدا الحزب الشيوعي السوفيتي والاستمرار في ذات الفهم الذي ما عرف تحريكا أو تململا لقراءة مستجدات الوضع السياسي العالمي وما حدثت من تطورات خطيرة على المسارين الدولي والمحلي فوقعت الكارثة المدمرة وأتاحت الفرصة للقوى الامبريالية أن تتسّيد الوضع العالمي ويصبح الوضع يعتمد على القطب الواحد وجرى ما جرى من تراجع لينسحب هذا الزلزال على دول المعمورة برمتها وكان نصيب الحركة العمالية فيما حدث نصيب الأسد.
ساهمت بعض أحزاب اليسار واليمين على حد سواء بعامل آخر في تفتيت الحركة العمالية حين تم تأسيس نقابات عمالية تابعة لتلك الأحزاب حيث نجد العديد من النقابات في البلد الواحد وهذا اضر كثيرا في تفتيت الحركة العمالية وتشرذمها فبدل أن تتوحد الطبقة العاملة بعيدا عن أجندات السياسيين، تشظّت الحركة وضعف أداؤها وراحت كل نقابة تتبنى طروحات الحزب السياسي الذي تنتمي له وهذا الأمر يظهر جليا في المغرب العربي وخصوصا في بلاد المغرب الذي عرف حركة يسار نشطة ولكنها تمثل البرجوازية الصغيرة بكل تشرذماتها وتواطأت هذه الأحزاب بقوة مع أنظمة فاشية عربية لمجرد أن تلك الأنظمة تتبنى نفاقا ملفات قومية لكسب ود هذه الأحزاب ووضعها تحت إبط تلك الأنظمة القمعية علما أن لكل حزب من هذه الأحزاب نقابة عمالية تتحرك بأجنداتها ورؤيتها للوضع السياسي والنقابي دونما اقتراب أو توحد مع بقية النقابات وهذا أمر غير طبيعي واضر كثيرا بالطبقة العاملة التي عانت كثيرا من هذا التفتت والضعف في المواقف والمواجهة مع السلطات وكانت الغلبة للسلطة دون أن تحقق الطبقة العاملة أهدافها في العيش الرغيد والمساهمة في تحريك الوضع السياسي بمشاركة فاعلة منها.
أما في العراق فقد اخذ حزب البعث منحى آخر في تسيير الحركة العمالية كما أسلفنا بعد ان سيّسها بالكامل وعادت فصيلا من فصائل السلطة القمعية وذراعها التخريبي فتأسست لجان من العمال في كل مؤسسة ومصنع يقودها نفر من المتخلفين والمتسلقين الذين لا يفقهون ألف باء العمل النقابي شيئا سوى سلطة السوط وتمرير سياسة الحزب الواحد الذي عمل على تخريب العمل النقابي الحقيقي وتسفيهه.
إن الأنظمة العربية من اشد ما يؤرقها ويقض مضجعها الوعي العمالي ونضال الطبقة العاملة بقيادة أحزابها الشيوعية التي ما زالت في أوج عطائها رغم الهزات والتراجعات التي حصلت في أداء هذه الأحزاب ورغم سعي الأنظمة الفاشية في تفتيت تلك الأحزاب نتيجة الضربات المتلاحقة ورغم ذلك فالمستقبل يؤشر بعد هذه الدورة الخطيرة في الوضع العراقي من قمع بعثي إلى سقوطه إلى ظهور أحزاب دينية إلى انحسار سيشهده هذا المد الديني لان البقاء للفكر الواعي والفهم السليم لحركة التاريخ والمجتمع والتعامل مع الإنسان باعتباره القيمة الحقيقية للوجود بعيدا عن طلاسم الفهم المتخلف والقوى العمياء وسيصير النضال العمالي بأحزابه الماركسية إلى إعادة البناء والتخلص من حالة الانكفاء في ظل وضع ديمقراطي سليم مؤسس على قيم حضارية وتمدن حقيقي للإنسان والمجتمع في ظل دولة مؤسسات ودولة قانون لبناء مستقبل مشرق[/s الخمسينات والستينات في حالة غليان دوخ العديد من الأنظمة الفاشية التي بذلت كل الطرق الأكثر قمعية لإيقاف ذلك المد الخطير فتعرض معظم قادة الحركة العمالية لعمليات تصفية وراح العشرات من خيرة الكوادر العمالية ضحية تلك الممارسات القمعية وكان مسار الحركة العمالية وخصوصا في العراق يمر بفترات مد وجزر تبعا لطبيعة الأنظمة التي تلاحقت على الحكم في العراق وتعرض الحزب الشيوعي العراقي كقائد للحركة العمالية ومؤطرها وواضع برامجها القريبة والبعيدة إلى حملات إبادة عطّلت في كثير من المحطات ذلك المد وحجّمت النشاط العمالي الذي كان مدرسة للكادحي