"صديقي العزيز.. لم أتخيل أن تغمرنا بشائر العيد دون أن أتلقى منك اتصالا هاتفيا للتهنئة، وتحديد موعد للقاء بعد البعد.. عطر الله أيامكم وأسعد عيدكم..".
"أخي الغالي.. لقد بادرت بتهنئتك على صفحتك في فيس بوك وبرسالة على بريدك الإلكتروني، معتذرًا عن عدم تمكني من لقياك هذا العيد بسبب ظروف العمل.. ولم أتوقع أن تتجاهل تهنئتي ولا ترد عليها.. عموما المسامح كريم".
كانت الكلمات السابقة هي نص رسالة هاتفية قصيرة "SMS"
أبرقت بها إلى أحد أعز أصدقائي أعاتبه فيها على ما ظننت أنه نسيان
لموعد لقاء يجمعنا كل عيد
، ولا نكاد نلتقي في غيره تحت ضغوط العمل والحياة، ليقوم صديقي بدوره بالرد على رسالتي بالتأكيد أنني من يستحق اللوم
؛ لأنه أرسل لي تهنئة إلكترونية لم أتجاوب معها.
كان سبب عتابي لصديقي أنني كنت أعتبر التراسل على الإنترنت
-بما فيه واجبات التواصل الاجتماعي- من الكماليات "options" التي لا تغني عن التواصل الإنساني على أرض الواقع،
قبل أن أدرك أنني استخدمت الوسيلة ذاتها في عتاب صديقي، وكانت أيضًا برسالة إلكترونية وإن كانت على وسيط مختلف
، وهو الهاتف المحمول.
قبل وقت ليس بالطويل، كانت المكالمة الهاتفية هي أضعف الإيمان في التواصل الاجتماعي،
والآن أصبحنا نترحم على هذه الأيام، بعدما أصبحت التكنولوجيا هي الوسيط الأول في نقل المشاعر، والتحدث باسمها.
قفزت إلى ذهني التساؤلات: هل بات التواصل الإلكتروني سواء بالإنترنت
أو الهاتف يغني عن واجبات التواصل على أرض الواقع؟ وهل أضافت
التقنية الحديثة ميزة تساعد في مد جسور علاقاتنا الاجتماعية التي أوشكت
على الانهيار بفعل نمط الحياة المعاصر وضغوطه؟ أم أنها أسهمت في تكريس العزلة، وزيادة مسافة البعد فيما بيننا؟
وهل سينتهي دخول الإنترنت كلاعب أساسي في حياتنا اليومية إلى
تحويلنا لأشخاص افتراضيين نتحرك ونلتقي في عالم افتراضي بمشاعر افتراضية،
وخاصة أن أغلب رسائل التهنئة أو حتى التعزية هي رسائل معدة سلفًًا وربما تكون مدفوعة
الأجر مثلما هو الحال مع الرسائل النصية القصيرة التي تحولت لسلع وتجارة؟ أم أن الأمر
لا يعدو سوى تطور طبيعي لحياتنا اليومية، وكل ما في الأمر أننا ما زلنا متخلفين عن التأقلم مع ذلك التطور ولو قليلا؟
رأيت أن أستغل فرصة دخول العيد أولاً لأهنئكم به، داعيًا المولى عز وجل أن يعيده على كل واحد
وهو في الحال التي يتمناها في ظل رضى المولى، وثانيًا لأطرح عليكم الأمر للمشاركة بآرائكم حول: التهنئة الإلكترونية.
. هل هي ميزة، وبديل كافٍ للتزاور؟ أم آفة أصابت حياتنا الاجتماعية؟